فصل: المولـــدون

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجمع الأمثال **


2141- صَرَّ عَلَيْهِ الغَزْوُ اسْتَهُ‏.‏

الصَّرُّ‏:‏ شد الصِّرَار على أطْبَاء الناقة

يضرب لمن ضَيَّقَ تصرفُه عليه أمره

قال المؤرج‏:‏ دخل رجل على سليمان ابن عبد الملك، وكان سليمان أولَ مَنْ أخذ الجار بالجار، وعلى رأس سليمان وَصِيفة ‏(‏روقة - بضم الراء - أي حسنة‏)‏ رُوقَة‏.‏

فنظر إليها الرجل، فقال له سليمان‏:‏ أتُعْجِبُكَ‏؟‏فقال‏:‏ بارك اللّه لأمير المؤمنين فيها، فقال‏:‏ أخبرني بسبعة أمثال قيلت في الاست وهي لك، فقال الرجل‏:‏ اسْتُ البائِن أعْلَم، قال سليمان‏:‏ واحد، قال‏:‏ صَرَّ عليه الغَزْوُ اسْتَه، قال سليمان‏:‏ اثنان، قال‏:‏ اسْتٌ لم تُعَوَّد المِجْمَرَ، قال سليمان‏:‏ ثلاثة، قال‏:‏ اسْتُ المَسْؤُل أضْيَقُ، قال سليمان‏:‏ أربعة، قال‏:‏ الحرُّ يُعْطِى والعبدُ يألم اسْتُه، قال سليمان‏:‏ خمسة، قال الرجل‏:‏ اسْتِي أخْبَثَيِ، قال سليمان‏:‏ ستة، قال‏:‏ لا مَاءَكِ أَبْقَيْتَ ولا حِرَكَ أنْقَيْتَ، قال سليمان‏:‏ ليس هذا في هذا، قال‏:‏ بلى أخَذْتُ الجارَ بالجار كما يأخذ أميرُ المؤمنين، قال‏:‏ خُذْهَا لا بارَكَ اللّه لَكَ فيها‏.‏

2142- صَدَقَنِي قُحَاحَ أَمْرِهِ‏.‏

و‏"‏قُحَّ أمرِهِ‏"‏ أي صحةَ أمره وخالصَه من قولهم‏"‏عربي قُحٌّ‏"‏ أي خالص‏.‏

2143- صَرَّحَتْ بِجِلْذَانَ‏.‏

كذا أورده الجوهري بالذال المعجمة، ووجدت عن الفراء غير معجمة، قال‏:‏ يقال ‏"‏صرحت بِجِلْدَان‏"‏و‏"‏بجدان‏"‏و‏"‏بجداء‏"‏ إذا تبين لك الأمر وصرح، وقال ابن الأعرابي‏:‏ يقال صرحت بجد وجدان وجلدان وجداء وجلداء، وأورده حمزة في أمثاله بالذال المعجمة، وأظن الجوهري نقل عنه، وهو على الجملة موضِعٌ بالطائف لين مستوٍ كالراحة لا خَمَرَ فيه يتوارى به‏.‏ والتاء في ‏"‏صرحت‏"‏ عبارة عن القصة أو الخُطَّة‏.‏

2144- صَرَّحَ المَحْضُ عَنِ الزُّبْدِ‏.‏

يقال للأمر إذا انكشَفَ وتبين‏.‏ ‏[‏ص 406‏]‏

2145- الصَّرِيحُ تَحْتَ الرُّغْوَةِ‏.‏

قال أبو الهيثم‏:‏ معناه أن الأمر مُغَطى عليك وسيبدو لك‏.‏

2146- صَلْخاً كَصَلْخِ النَّعَامَةِ‏.‏

أي صَلَخه اللّه كما صَلَخ النعامة، وهذا كما يقال للنعامة‏:‏ مُصَلَّم الأذُنَيْنِ‏.‏

2147- - صَلْمَعةُ بْنُ قَلْمَعَة‏.‏

قال ابن الأعرابي‏:‏ هذا مثل قولهم ‏"‏طامر بن طامر‏"‏ إذا كان لا يُدْرَي من هو، ولا يعرف أبوه، وهو من طَمَرَ إذا وثب

يضرب لمن يَظْهر ويَثِبُ على الناس من غير أن يكون له قديم، وينشد‏:‏

أَصَلْمَعَةُ بْنُ قَلْمَعَةَ بْنِ فَقْعٍ * بِقَاعٍ مَا حَدِيثُكَ تَزْدَرِينِي

لَقَدْ دَافَعْتُ عَنْكَ النَّاسَ حَتى * رَكِبْتَ الرَّحْلَ كالْجُرَذِ السَّمِينِ

2148- أَصَابَهُ ذُباَبٌ لاَذِعٌ‏.‏

يضرب لمن نَزَلَ به شر عظيم يرقُّ له مَنْ سمعه‏.‏

2149- صِئْبَانُ ثَوْبٍ لُقِّبَتْ هَرَانِعَا‏.‏

الْهُرْنُوعُ‏:‏ القَمْلَة الكبيرة، والصِّئبان‏:‏ جمع صُؤَاب، وهي بيضة القملة‏.‏

يضرب لمن يظهر جِدَةً والناس يعلمون أنه سيء الحال‏.‏

2150- صَارَتْ ثُرَيَّا وَهْيَ عُودٌ أَقْشَرُ‏.‏

الثرية والثريَّاء‏:‏ الأرض الندية، ومال ثرى‏:‏ أي كثير، ورجل ثَرْوَان وامرأة ثَرْوَى إذا كثر مالُهما، وثُرَيَّا‏:‏ تصغير ثَرْوَى، والأقشر‏:‏ الأحمر الذي كأنه نُزِعَ قشره‏.‏ يضرب لمن حَسُنت حالُه بعد فقر وكثر مادِحُوه بعد ذم‏.‏

2151- صَبْرًا أَتَانُ فَالجِحَاشُ حُولُ‏.‏

الحُولُ‏:‏ جمع حائل، وهي التي لم تحمل عامَهَا، ونصب‏"‏صبراً‏"‏على المصدر‏.‏

يضرب لمن وعَدَ وعْداً حسناً والموعود غيرُ حاضر، وخص الجِحاش ليكون التحقيق أبعد‏.‏

2152- صَبُوحُ حَيَّانَ بِهِ جُمُوحُ‏.‏

حَيَّان‏:‏ اسم رجل، والصَّبُوح‏:‏ ما يشرب عند الصبح، وهو يجمح بشار به أنه شَربِها في غير وقتها‏.‏

يضرب لمن يَتَصَدَّر للرياسة في غير حِينها‏.‏

2153- صَبْحَى شَكوْتُ فَاسْتَشَنَّتْ طَالِقُ‏.‏

يقال‏:‏ ناقة صَبْحَى، إذا حلب لبنها، والطالق‏:‏ الناقة التي يتركها الراعي لنفسه فلا ‏[‏ص 407‏]‏ يَحْلبها على الماء، يقول‏:‏ هذه الصَّبْحَى شكوتُهَا إذ حلبت فما بالُ هذه الطالق صار ضَرْعُها كالشَّنِّ البالي‏.‏

يضرب للرجلين يعذر أحدهما في أمر قد تَقَلَّداه معا ولا يعذر الآخر فيه لاقتداره عليه إن عجز عنه صاحبه‏.‏

2154- صَبَعْتَ لِي إصْبَعَكَ العَمَّالَةَ‏.‏

يقال‏:‏ صَبَعْت بفلان وعلى فلان أصْبَعَ صَبْعاً، إذا أشَرْتَ نحوه بأصبعك مُغْتَابا، وههنا صَبَعْت لي ولم يقل على ولا بي لأنه أراد استعملتَ أصبعك العَمَّالة لي، أي لأجلي، ويصح أن تقول‏:‏ صَبَعْتَ أصْبَعَكَ أي أصَبْتَهَا كما يقول‏:‏ رأسْتُه وصَدَرْتُه ويَدَيْتُه، أي أصبت هذه الأشياء والأعضاء منه، ويجوز أن يكون لي بمعنى إلى، كما يقال‏:‏ هَدَيْتُه للطريق، وإلى الطريق، وأوحيت إليه وله، فيكون من صلة معنى صَبَعْتَ، وهوأشرت، كأنه قال‏:‏ أشرتَ لي أي إلىِّ، والعَمَّالة‏:‏ مبالغى العاملة، أي أنها تَعَوَّدَتْ ذلك العملَ‏.‏

يضرب لمن يعيبك باطناً ويثني عليك ظاهراً‏.‏

2155- صَرَاةُ حَوْضٍ مَنْ يَذُقْهَا يَبْصُقِ‏.‏

الصَّرَاة‏:‏ الماء المُجْتَمِع في الحوض أو في البئر أو غير ذلك، فيبقى الماء فيه أياماً ثم يتغير‏.‏

يضرب للرجل يجتنبه أهلُه وجيرانه لسوء مذهبه‏.‏

2156- صُبَابَتِي تَرْوِى وَلَيْسَتْ غَيْلاً‏.‏

الصُّبَابة‏:‏ بقية الماء في الإناء وغيره، والغَيْل‏:‏ الماء يجري على وجه الأرض‏.‏

يضرب لمن ينتفع بما يبذل وإن لم يدخل في حد الكثرة‏.‏

2157- الصُّوفُ مِمَّنْ ضَنَّ بِالرِّسْلِ حَسَنٌ‏.‏

يقال‏:‏ هذا قاله رجل نظر إلى نَعْجَة لها صوف كثير، فاغترَّ بصُوفها وظن أن لها لبنا، فلما حلبها لم يكن بها لبن، فقال هذا‏.‏

يضرب لمن نال قليلا ممن طمع في كثير

2158- صَكًّا وَدِرْهَمَاكَ لَكَ‏.‏

قال المفضل‏:‏ إن امرأة بَغِيّاً كانت تؤاجر نفسَها من الرجال بدرهمين لكل من طَلَبها، فاستأجرها يوما رجل بدرهمين، فلما جامعها أعجبها جِمَاعُه وقوته وشدة رَهْزه فجعلت تقول ‏"‏صكا‏"‏ أي صُكَّ صكا ‏"‏ودرهماك لك‏"‏ فذهبت مثلا‏.‏

وروى ابن شميل‏"‏ غَمْزَاً ودرهماك لك، فإن لم تغمز فبُعْدٌ لَكَ ‏"‏رفعت البعد‏.‏ ‏[‏ص 408‏]‏

قال‏:‏ يضرب مثلاً للرجل تراه يعمل العمل الشديد‏.‏

2159- اصْطِنَاعُ الْمَعْرُوفِ يَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ‏.‏

يقال‏:‏ صَنَع معروفاً واصْطَنَع كذلك في المعنى، أي فِعْلُ المعروف في أهله يقي فاعله الوقوع في السوء‏.‏

2160- الصَّدْقُ عِزٌّ وَالْكَذِبُ خُضُوعٌ‏.‏

قاله بعض الحكماء‏.‏

يضرب في مَدْحِ الصدق وذم الكذب

2161- صَالِبِي أَشَدُّ مِنْ نَافِضِكَ‏.‏

هما نوعان من الحمى‏.‏

يضرب في الأمرين يزيد أحدُهما على الآخر شدة‏.‏

2162- الصِّدْقُ فِي بَعْضِ الأمُورِ عَجْز‏.‏

أي ربما يضر الصدقُ صاحبَه‏.‏

2163- صَرَرْنَا حُبَّ لَيْلَى فَانْتَثَر‏.‏

أي صُنَّاه فضاع‏.‏

يضرب لما يُتَهَاون به‏.‏

2164- صَبَّحَ بَنِي فلاَنٍ زُوَيْرُ سَوْءٍ‏.‏

إذا عَرَاهم في عُقْر دارهم، والزُّوَير‏:‏ زعيم القوم، وقال‏:‏

قد نضرب الجيش الخميسَ الأزْوَرَا * حَتَّى تَرَى زُوَيْرَهُ مُجَوَّرَا

2165- صَبْرًا وَبِضَبِّيٍّ‏.‏

قاله شتير بن خالد لما قتله ضِرار بن عمرو الضبي بابنه حُصَين، ونصب ‏"‏صبراً‏"‏ على الحال، أي أقْتَلُ مَصْبُوراً، أي محبوساً وقوله‏"‏وبضبي‏"‏ أي أُقتل بضبي، كأنه يأنف أن يكون بدل ضبي‏.‏

يضرب في الخصلتين المكروهتين يُدْفَع الرجل إليهما‏.‏

*3* ما جاء على أفعل من هذا الباب

2166- أَصْبَرُ مِنْ قَضِيبٍ‏.‏

قال ابن الأعرابي‏:‏ هو رجل كان في الدهر الأول من بني ضبة، وله حديث سيأتي في باب اللام، وضربت به العرب المثلَ في الصبر على الذل، وأنشد‏:‏

أقيمي عَبْدَ غنْمٍ لا تُرَاعِي * منَ القَتلَى التي بِلِوَى الْكَثِيبِ

لأنْتُمْ حينَ جَاءَ الْقَوْمُ سَيْراً * عَلَى الْمَخْزَاة أصْبَرُ مِنْ قَضِيبِ

2167- أَصْبَرُ مِنْ عَوْدٍ بِدَفَّيْهِ جُلَبٌ‏.‏ ‏[‏ص 409‏]‏

2168- وَأَصْبَرُ مِنْ ذِي ضَاغِطٍ مُعَرَّكٍ‏.‏

قال محمد بن حبيب‏:‏ كان من حديث هذين المثلين أن كلباً أوقَعَتْ ببني فزارة يوم‏.‏ العاه قبل اجتماع الناس على عبد الملك بن مروان، فبلغ ذلك عبدَ العزيز بن مروان، فأظهر الشماتة، وكانت أمه كليبة، وهي ليلى بنت الأصبع بن زبان‏.‏ وأم بشر بن مروان قطبة بنت بشر بن عامر بن مالك بن جعفر، فقال عبد العزيز لبشر أخيه‏:‏ أما علمت ما فَعَلَ أخوالي بأخوالك‏؟‏ قال بشر‏:‏ وما فعلوا‏؟‏ فأخبره الخبر، فقال‏:‏ أخوالُكَ أضْيَقُ أسْتَاهاً من ذلك، فجاء وَفْدُ بني فَزَارة إلى عبد الملك يخبرونه بما صُنِعَ بهم، وأن حُرَيْث بن بَجْدل الكلبي أتاهم بعهدٍ من عبد الملك أنه مصدق، فسمعوا له وأطاعوا، فاغْتَرَّهم فقتل منهم نَيِّفَّا وخمسين رجلا، فأعطاهم عبدُ الملك نصف الحَمَالات، وضَمِنَ لهم النصف الباقي في العام المقبل، فخرجوا ودَسَّ إليهم بشر ابن مروان مالا فاشْتَرَوُا السلاح والكُرَاع، ثم اغْتَرُّوا كلبا ببني فزارة فَلَقُوهم ببنات قين، فتعدَّوْا عليهم في القتل، فخرج بشر حتى أتى عبدَ الملك وعندهُ عبدُ العزيز بن مروان فقال‏:‏ أما بلغك ما فعل أخوالي بأخوالك‏؟‏ فأخبره الخبر، فغضب عبدُ الملك لإخفارهم ذمتَهُ وأخْذِهم مالَه، وكتب إلى الحجاج يأمره إذا فَرَغَ من أمر ابن الزُّبير أن يُوقِع ببني فَزَارة إن امتنعوا، ويأخُذَ مَنْ أصاب منهم، فلما فرغ الحجاجُ من أمر ابن الزبير نَزَلَ ببنب فزارة، فأتاهم حَلْحَلَةُ ابن قيس بن أشْيَمَ وسعيد بن أبان بن عُيَينة ابن حِصْن بن حُذَيفة بن بدر، وكانا رئيسي القوم، فأخبرا الحجاج أنهما صاحبا الأمر، ولا ذنْبَ لغيرهما، فأوثقهما وبَعَثَ بهما إلى عبد الملك، فلما أدْخِلاَ عليه قال‏:‏ الحمدُ لله الذي أقاد منكما، قال حلحلة‏:‏ أما واللّه ما أقادمني، ولقد نَقَضْتُ وِتْرَي، وشَفَيْتُ صَدْرِي، وبردت وَحْرِي، قال عبد الملك‏:‏ مَنْ كان له عند هذين وِتر يطلبه فليقم إليهما، فقام سفيان بن سُوَيْد الكلبي - وكان أبوه فيمنقتل يوم بنات قين - فقال‏:‏ يا حلحلة هل حست لي سُوَيدا، قال‏:‏ عهدي به يوم بنات قن وقد انقطع خُرْؤه في بطنه، قال‏:‏ أما واللّه لأقتلنك، قال‏:‏ كذبت واللّه ما أنت تَقْتُلني وإنما يقتلني ابنُ الزرقاء، والزرْقَاء إحدى أمهات مَرْوَان بن الحكم، وكانت لها راية، وكانوا يُسَبُّون بالزرقاء، فقال بشر‏:‏ صَبْراً حَلْحَلُ، فقال‏:‏ إي واللّه‏.‏

أصْبَرُ مِن عَوْدٍ بجنبه جُلَبْ * قد أثَّرَ البِطَانُ فِيهِ وَالحقَبْ ‏[‏ص 410‏]‏

ثم التفت إلى ابن سُوَيد فقال‏:‏ يا ابن استها أجدِ الضربَةَ فقد وقعت مني بأبيك ضربةٌ أَسْلَحَتْهُ، فضرب عنقَه، ثم قيل لسعيد نحو ما قيل لحلحلة، فردَّ مثلَ جواب حلحلة، فقام إليه رجل من بني عليم ليقتله فقال له بشر‏:‏ اصْبِرْ، فقال‏:‏

أصْبَرُ مِن ذِي ضَاغِطٍ مُعَرَّكِ * أَلْقَى بَوَانِي زَوْرِهِ للْمَبْرَكِ

ويروى ‏"‏من ذي ضاغط عَرَكْرَكِ ‏"‏ وهو البعير الغليظ القويُّ، والضاغط‏:‏ الْوَرَمُ في إبط البعير، شِبْهُ الكيس، يضغطه، أي يضيقه، ويقال ‏"‏فلان جيد البَوَانِي‏"‏ إذا كان جيدَ القوائم والأكتاف‏.‏

2169- أَصَحُّ مِنْ عَيْرِ أبِي سَيَّارَةَ‏.‏

هو رجل من بني عَدْوَان اسمه عميلة بن الأعزل، وكان له حمار أسود أجاز الناسَ خالد عليه من المزدلفة إلى منًى أ ربعين سنةً، وكان يقول‏:‏ أشْرِقْ ثَبير كيما نُغِير، ويقول‏:‏

لاهُمَّ إنِّي تَابِعٌ تَبَاعَهْ * إنْ كَانَ إثْمٌ فَعَلَى قُضَاعَهْ ‏(‏في أصول هذا الكتاب ‏"‏لاهم إني بائع بياعة‏"‏ تحريف ما أثبتناه عن سيرة ابن هشام‏.‏‏)‏

لاهم مَالِي فِي الحِمَارِ الأْسَوْد * أصْبَحْتُ بَيْنَ الْعَالَمِينَ أحْسَدْ

هَلاَّ يكاد ذُو الْبَعِيرِ الْجَلْعَدْ * فَقِ أبا سَيَّارَةَ الْمُحَسَّدْ

مِنْ شَرِّ كُلِّ حَاسِدٍ إذَا حَسَدْ * وَمِنْ أذَاةِ النَّافِثَاتِ فِي الْعُقَدْ

اللّهم حبب بين نسائنا، وبَغِّضْ بين رِعائنا، واجعل المال في سُمَحَائنا، وفيه يقول الشاعر‏:‏

خَلُّوا الطَّرِيقَ عن أبي سَيَّارَهْ * وعَنْ مَوَاليه بَنِي فَزَارَهْ

حَتَّى يُجيزَ سَالماً حِمَارَهْ * مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ يَدْعُو جَارَهْ

وكان خالد بن صَفْوَان والفضل بن عيسى الرَّقَاشي يختاران ركوبَ الحمير على ركوب البَرَاذين، ويجعلان أبا سَيَّارة لهما قُدْوَة‏.‏

فأما خالد فإن بعض الأشراف بالبصرة تلقَّاه فرآه على حمار فقال‏:‏ ما هذا المركب ياأبا صفوان‏؟‏فقال‏:‏ عَيْر من نَسْل الكداد، أصْحَر السِّرْبال، مفتول الأجلاد، محملج القوائم، يحمل الرجلة، ويبلُغ العقبة، ويقل داؤه، ويَخِفُّ دواؤه، ويمنعني أن أكون جَبِّاراً في الأرض أو أكون من المفسدين، ولولا ما في الحمار من المنفعة لما امتطى أبو سَيَّارة ظهر عَيْر أربعين سنة‏.‏

وأما الفضل بن عيسى فإنه سئل أيضاً عن ركوب الحمار، فقال‏:‏ لأنه أقل الدوابِّ مَؤُنة، وأكثرها مَعُونة، ‏[‏ص 411‏]‏ وأسهلها جِمَاحا، وأسلمها صريعا، وأخْفَضُها مَهْوًى، وأقربها مُرْتَقًى، يزهى راكبه وقد تواضع بركوبه، ويسمى مقتصدا وقد أسرف في ثمنه، ولو شاء عُمَيْلة بن خالد أبو سَيَّارة أن يركب جملا مَهْرِيّاً أو فرساً عربياً لفَعَلَ، ولكنه امتطى عَيْراً أربعين سنة، فسمع أعرابي كلامه، فعارضه فقال‏:‏ الحمار شَنَار، والعَيْر عار، مُنْكَر الصوت، بعيد الفَوْت، متغرق في الوَحْل، متلوث في الضَّحْل ليس بركوبَةِ فَحْل، ولا مطية رَحْل، إن وقفته أدْلى، وان تركته وَلَّى، كثير الرَّوْث، قليل الغَوْث، سريع إلى الفرارة، بطيء في الغارة، لا تُرقأ به الدماء، ولا تُمْهَر به النساء، ولا يحلب في إناء‏.‏

قال أبو اليقطان‏:‏ أبو سَيَّارة أولُ من سَنَّ في الدِّيَة مائةً من الإبل‏.‏

2170- أصْنَعُ مِنْ سُرْفَةَ‏.‏

هي دويبة، وقد اختلفوا في نَعْتها، قال اليزيدي‏:‏ هي دويبةٌ صغيرة تَنْقُب الشجر وتبني فيه بيتا، وقال أبو عمرو بنُ العَلاَء‏:‏ هي دويبة مثلُ نصف عدسة تَنْقُب الشجر ثم تبني فيه بيتاً من عِيدانٍ تجمعها مثل غَزْل العنكبوت منخرطا من أعلاه إلى أسفله كأن زواياه قُوِّمَتْ بخط، وله في إحدى صَفَائحه باب مُرَبع قد ألزمت أطراف عيدانه من كل صفيحة أطراف عيدان الصفيحة الأخرى كأنها مَفْرُوَّة، وقال محمد بن حبيب‏:‏ هي دويبة تنسج على نفسها بيتاً فهو نَاوُوسُها حقّاً، والدليل لى ذلك أنه إذا نُقِضَ هذا البيتُ لم توجَدِ الدودة فيه حية أصلا، وزاد بعض رواة الأخبار على ابن حبيب زيادة، فزعم أن الناس في أول الدهر حين كانوا يتعَلَّمون الحِيَلَ من البهائم تعلموا من السُّرْفَةِ إحداثَ بناء النواويس على موتاهم، فإنها في خرط وشكل بيت السُّرْفَة، ويقال ‏"‏وَادٍ سَرِفٌ‏"‏ أي كثير السُّرْفَة، و‏"‏أرض سَرِفَة ‏"‏ و‏"‏سُرِفَتِ الشجرةُ‏"‏ إذا أصابتها السُّرْفة، ويقال أيضاً ‏"‏أصْنَعُ من سَرَفٍ‏"‏ ويقال ‏"‏من سُرُفٍ‏"‏‏.‏

2171- أَصْنَعُ مِنْ تُنَوِّطٍ، ويقال ‏"‏مِنْ تَنَوُّطٍ‏"‏‏.‏

قال الأصمعي‏:‏ إنما سُمِّي تُنَوِّطاً لأنه يدلي خيوطا من شجرة ثم يفرخ فيها، والواحد تُنَوِّطة، وقال حمزة‏:‏ هو طائر يركِّبُ عُشَّه تركيبا بين عودين من أعواد الشجر فينسجه كقارورة الدُّهْن ضَيِّقَ الفَمِ واسعَ الداخل، فيودعه بيضَهُ، فلا يوصَل إليه حتى تدخل اليد فيه إلى المعصم‏.‏

2172- أَصْنَعُ مِنْ نَحْلٍ‏.‏

ويقال‏"‏من النحل‏"‏ إنما قيل هذا لما ‏[‏ص 412‏]‏ فيه من النِّيقَة في عمل العسل، قال الشاعر‏:‏

فجاءُوا بمَزْجٍ لم يَرَ الناسُ مثلَه * هو الضَّحْكُ إلا أنه عَمَلُ النَّحْلِ

2173- أصْدَقُ مِنْ قَطَاةٍ‏.‏

لأن لها صَوْتاً واحداً لا تغيره، وصوتها حكاية لاسمها، تقول‏:‏ قَطاً قَطاً، ولذلك تسميها العرب الصَّدُوق، وكذلك قولهم ‏"‏أنْسَبُ من قَطَاة‏"‏ لأنها إذا صَوَّتَت عرفت، قال أبو وَجْرَة السَّعْدي‏:‏

مَا زِلْنَ يَنْسُبْنَ وَهْناً كُلَّ صَادِقَةٍ * بَاتَتْ تُبَاشِرُ عُرْماً غَيْرَ أزْوَاجِ

قلت‏:‏ قوله‏"‏ما زلن‏"‏ يعني الأتُنَ التي وردت الماء ‏"‏ ينسبن‏"‏ جعل الفعلَ لهن لأنهن أثرن القَطَا عن أماكنها حتى قالت قطا قطا، فلما كن سَبَبَ النِّسْبة جعل الفعلَ لهن كقوله تعالى ‏(‏كما اخْرَجَ أبَوَيْكُمْ من الجنة يَنْزِعُ عنهما لباسهما‏)‏ لما كان إبليس سببَ النزع جعل النزع له نفسه، ونصب ‏"‏وهنا‏"‏ على الظرف، والجملة بعد قوله ‏"‏كل صادقة‏"‏ صفة لها، والعُرْمُ‏:‏ جمع الأعرم، وهو الذي فيه بياض وسواد، أي باتت القطا تباشر بيضاتٍ عُرْماً، وكذلك يكون بيضُ القطا، وجعل البيض غَيْرَ أزواج لأن بَيْضَ القطا يكون أفراداً ثلاثا أو خمسا‏.‏

2174- أَصدَقُ ظَنًّا مِنْ أَلْمَعِيٍَ‏.‏

قالوا‏:‏ هو الذي يظن الظَّنَّ فلا يُخْطىء واشتقاقه من لَمَعَان النار وتوقُّدِها، وعَرَّفه بعضهم ‏(‏هو أوس بن حجر‏)‏ نظماً فقال‏:‏

الألْمَعِيُّ الّذِي يَظُنُّ بِكَ الـ * ـظَّنَّ ‏(‏الظن‏)‏ كأنْ قَدْ رَأَى وَقَدْ سَمِعَا

واللوذعي‏:‏ مثل الألمعي، واشتقاقُه من لَذْع النار، والأحْوَذِى‏:‏ القَطَّاع للأمور الخفيفُ في العملِ لحِذْقه، من الحَوْذِ وهو السَّوْقُ السريع، وقال الأصمعي‏:‏ هو المُشَمِّر في الأمور، القاهر الذي لا يَشِدُّ

عليه منها شيء، والأحوزي‏:‏ الجامع لما يشذُّ من الأمور، من الحوز وهو الْجَمْع‏.‏

2175- أصفَى مِنْ مَاءِ المفَاصِل‏.‏

قال الأصمعي‏:‏ هو مُنْفَصَلُ الجبل من الرملة، يكون بينهما رَضْرَاض وحَصًى صغار يَصْفُو ماؤه ويرقُّ، قال أبو ذؤيب‏:‏

وإنَّ حَدِيثًا مِنْكِ لَوْ تَبْذُلِينَهُ * جَنَي النَّحْلِ في أَلْبَانِ عُوذٍ مَطَافِل

مَطَافِيل أبكَارٍ حَدِيثٍ نَتَاجُهَا * تُشَابُ بماءٍ مِثْلِ مَاءِ المَفَاصِلِ

2176- أَصفَى مِنْ جَنَي النّحْلِ‏.‏

هو العَسَل، ويقال له المَزْج، والأرْىُ والضَّحْك، والضَّرْبُ، أيضاً‏.‏ ‏[‏ص 413‏]‏

2177- أَصفَى مِنْ لُعَابِ الْجَرَادِ‏.‏

قالوا‏:‏ هو مأخوذ من قول الأخطل‏:‏

إذا ما نَدِيمِى عَلَّنِي ثم عَلَّنِي * ثَلاَثَ زُجَاجَاتٍ لهنَّ هَدِيرُ

عُقَاراً كَعَيْنِ الدِّيكِ صِرْفاً كأنه* لُعَابُ جَرَادٍ فِي الْفَلاَةِ يَطِيرُ

2178- أَصْرَدُ مِنْ جَرَادَةٍ‏.‏

من الصَّرَد الذي هو البَرْدُ، وذلك لأنها لا تُرَى في الشتاء أبداً لقلة صَبْرها على البَرْد، يقال‏:‏ صَرِدَ الرجلُ يَصْرَدُ صَرَداً فهو صَرِد ومِصْرَاد، للذي يجد البرد سريعاً، ومنه قولهم حكاية عن الضب‏:‏

أصْبَحَ قَلْبِي صَرِدَا*

2179- أصْرَدُ مِنْ عَنْزٍ جَرْبَاءَ‏.‏

وذلك أنها لا تَدْفأ لقلة شَعْرها ورقة جلدها، فالبرد أَضَرُّ لها‏.‏

2180- أَصْرَدُ مِنْ عَيْنِ الحِرْباءِ‏.‏

قال حمزة‏:‏ هذا المثلُ تصحيفٌ للمثل الذي قبله، يعني صحف عنز من عَيْن وحِرْباء بجرباء‏.‏

قلت‏:‏ إنما يكون هذا لو قيل ‏"‏من عين حرباء‏"‏ منكراً، فأما إذا قالوا‏:‏ ‏"‏من عين الحِرْبَاء‏"‏ معرفاً بالألف واللام، ولا يقال‏:‏ ‏"‏عنز الجرباء‏"‏ فكيف يقع التصحيف‏؟‏ ثم قال‏:‏ إلا أن بعض الناس فَسَّره على وَجْه مُطَّرد، فقال‏:‏ الحرباء أبداً تستقبلُ الشمسَ بعينها تستجلب إليها الدفء، وهذا مَخْلَص حسن‏.‏

2181- أَصْرَدُ مِنَ السَّهْمِ‏.‏

هذا من الصَّرَد الذي هو بمعنى النفوذ، يقال ‏"‏صَرِدَ السهمُ صَرَداً‏"‏ إذا نَفَذَ في الرمِيَّة، قال الشاعر‏:‏

فما بُقْيَا عَلَىَّ تَرَكْتُمانِي* وَلَكِنْ خِفْتُمَا صَرَدَ النِّبَالِ

2182- أَصْرَدُ مِنْ خَازِقِ وَرَقَةٍ‏.‏

هذا من صَرِدَ السهمُ أيضاً، يقال‏:‏ خَزَقَ السهمُ وخَسَقَ، إذا نَفَذَ، ويقال في مثل آخر‏:‏ ‏"‏وَقَعَ على خازق ورقة‏"‏ يقال ذلك للداهِي الذي يخزق الورقَةَ من ثَقَافته وضَبْطه للأشياء، ويقال‏:‏ ‏"‏ ما زال فلانٌ يخزق علينا منذ اليوم‏"‏‏.‏

2183- أَصْعَبُ مِنْ رَدِّ الشَّخْبِ فِي الضَّرْعِ‏.‏

هذا من قول من قال‏:‏

صَاحِ هَلْ رَيْتَ أَوْ سَمِعْتَ بِرَاعٍ * رَدَّ في الضَّرْعِ ما قَرَى في الِعَلابِ

العِلاَب‏:‏ جمع عُلْبة، ويروى ‏"‏في الحِلاب‏"‏ وهو إناء يُحْلَب فيه، و‏"‏رَيْتَ‏"‏ يريد به رَأَيْتَ‏.‏ ‏[‏ص 414‏]‏

2184- أَصْعَبُ مِنْ وُقُوفٍ عَلَى وَتَدٍ‏.‏

هذا من قول الشاعر‏:‏

وَلِي صَاحِبَانِ عَلَى هَامَتِي * جُلُوسُهُمَا مِثْلُ حَدِّ الْوَتَدْ

ثَقِيلاَنِ لَمْ يَعْرِفَا خِفَّةً * فَهذَا الزُّكامُ وَهذَا الرَّمَدْ

2185- أَصْوَلُ مِنْ جَمَلٍ‏.‏

معناه‏:‏ أعَضُّ، يقال‏:‏ صال الجملُ، وعَقَر الكلبُ، قاله حمزة‏.‏

قلت‏:‏ وقال غيره‏:‏ صال إذا وثَبَ صَوْلاً وصَوْلَةً وصِيَالا، والفَحْلَانِ يَتَصَاوَلانِ أي يتواثبان، وصال العَيْرُ، إذا حمل على العَانَةِ، فأما صال إذا عَضَّ، فمما تفرد به حمزة، وأما قولهم‏:‏ جمل صَؤُول، فقال أبو زيد‏:‏ صَؤُل البعير بالهمز يَصْؤُل صَآلة، إذا صار يَقْتُلُ الناسَ ويعْدُو عليهم، فهو صَؤُول، وفي الحديث‏:‏ ‏"‏أنَّ المَعْرِفَةَ تنفَعُ عند الجمل الصَّؤُول والكلب العَقُور‏"‏ وقال‏:‏

ولم يَخْشَوْا مُصَاءلة عَلَيْهِمْ * وتَحْتَ الرَّغْوَةِ اللبنُ الصَّرِيحُ

ويروى‏"‏ ولم يخشوا مَصَالته عليهم‏"‏ وهما رواية حمزة‏.‏

قلت‏:‏ والصحيح ‏"‏ولم يخشوا مصالته عليهم‏"‏ وهو مصدر صال كالمَقَالة مصدر قال والشعر لنَضْلَة، وأوله‏:‏

ألم تَسَلِ الفَوَارِسَ يَوْمَ غَوْلٍ * بنَضْلَةَ وَهْوَ مَوْتُورٌ مُشِيحُ

رَأوْهُ فَازْدَرَوْهُ وَهْوَ حُرٌّ * وَيَنْفَعُ أَهْلَهُ الرَّجُلُ القَبِيحُ

وَلَمْ يَخْشَوْا مَصَالَتَهُ عَلَيْهِمْ * وَتَحْتَ الرَّغْوَةِ الَّلبَنُ الصَّرِيحُ

أي صَوْلَه، قال المبرد‏:‏ يقول إذا رأيتَ الرِّغْوَةَ - وهو ما يرغو كالجلدة في أعلى اللبن - لم تدر ما تحتها، فربما صادفْتَ اللبن الصريح إذا كشفتها، أي أنهم رأوني فازدروني لدَمَامتي، فلما كَشَفُوا عني وجدوا غيرَ ما رأوا

2186- أَصَحُّ مِنْ بَيْضِ النَّعَامِ‏.‏

قلت‏:‏ هذا من قول الفرزدق‏:‏

خَرَجْنَ إِلَيَّ لم يُطْمَثْنَ قَبْلِي * وَهُنَّ أَصَحُّ مِنْ بَيْضِ النَّعَامِ

فَبِتْنَ بجانبيَّ مُصَرَّعَاتٍ * وَبِتُّ أَفُضُّ أَغْلاَقَ الختَامِ

كأنَّ مَفَالِقَ الرمَّانِ فِيَها * وَجْمَر غَضًى جَلَسْنَ عَلَيْهِ حَامِ

2187- أَصَبُّ مِنَ الْمُتَمَنِّيَةِ‏.‏

هذا مثل من أمثال أهل المدينة سار في صدر الإسلام، والمتمنية‏:‏ امرأة مَدَنية ‏[‏ص 415‏]‏ عَشِقت فتىً من بني سُلَيم يقال له‏:‏ نَصْر بن حَجَّاج، وكان أحْسَنَ أهل زمانه صُورة، فَضَنِيَتْ من حبه، ودَنِفَتْ من الوَجْدِ به، ثم لَهِجَتْ بذكره، حتى صار ذكره هِجِّيرَاهَا، فمرَّ عُمَر بن الخطاب رضي اللّه عنه ذات ليلة بباب دارها، فسمعها تقول رافعةً عَقِيرَتهَا‏:‏

ألا سَبيلَ إلى خَمْرٍ فأشْرَبَهَا * أم لاَ سَبِيلَ إلى نَصْر بن حَجَّاجِ

فقال عمر رضي اللّه عنه‏:‏ مَنْ هذه المتمنية‏؟‏ فعرف خَبَرَها، فلما أصبح استحضر الفتى المتمنَّى، فلما رآه بَهَرَه جمالُه، فقال له‏:‏ أأنت الذي تتمناكَ الغانياتُ في خدورهن‏؟‏ لا أمُّ لك‏!‏ أما واللّه لأزيلَنَّ عنك رِدَاء الجمال، ثم دعا بحجَّام فحَلَقَ جُمَّته، ثم تأمَّله فقال له‏:‏ أنت مَحْلُوقاً أَحْسَنُ، فقال‏:‏ وأيُّ ذنب لي في ذلك ‏؟‏ فقال‏:‏ صدقت، الذنْبُ لي أَنْ تركتُكَ في دار الهجرة، ثم أركَبَهُ جملا وسَيَّره إلى البَصْرة، وكتب إلى مُجَاشع ابن مسعود السُّلَمي‏:‏ إني قد سَيَّرْتُ المتمنَّي نصرَ بن حجَّاج السُّلمي إلى البصرة، فاسْتَلَبَ نساءُ المدينة لفظةَ عمر، فضر بْنَ بها المثل، وقلن ‏"‏أصَبُّ من المتمنية‏"‏ فسارت مثلا‏.‏

قال حمزة‏:‏ وزْعم النسابون أن المتمنية كانت الفريعة بنت هَمَّام أم الحجاج بن يوسف، وكانت حين عَشِقَتْ نصراً تحت المُغِيرة بن شُعْبة، واحتجوا في ذلك بحديث رَوَوْه، زعموا أن الحجاج حضَرَ مجلس عبد الملك يوماً وعُرْوَة بن الزبير عنده يحدثه ويقول‏:‏ قال أبو بكر كذا، وسمعت أبا بكر يقول كذا، يعني أخاه عَبْدَ اللّه بن الزبير، فقال له الحجاج‏:‏ أعند أمير المؤمنين تَكْنَي أخاك المنافق‏؟‏ لا أم لك‏!‏ فقال له عروة‏:‏ يا ابن المتمنية ألي تقول هذا‏؟‏ لا أم لك وأنا ابن عجائز الجَنَّة صفِيَّة وخَدِيجة وأسماء وعائشة رضي اللّه عنهن‏.‏

وكما قالوا بالمدينة ‏"‏أصب من المتمنية‏"‏ قالوا بالبصرة ‏"‏أدْنَفُ من المتمنَّى‏"‏ وذلك أن نصر بن حجاج لما ورَدَ البصرةَ أخذ الناسُ يسألون عنه، ويقولون‏:‏ أين هذا المتمني الذي سَيَّرهُ عمر رضي اللّه عنه‏؟‏ فغلب هذا الاسم عليه بالبصرة كما غلب ذلك الاسم على عشيقته بالمدينة‏.‏

ومن حديث هذا المثل أن نصراً لما ورد البصرة أنزله مُجَاشع بن مسعود السُّلَمي منزلَه من أجل قَرَابته، وأَخْدَمَه امرأته شُمَيْلة، وكانت أجملَ امرأة بالبصرة، فعلقته وعَلِقها، وخفي على كل واحدٍ منهما خبرُ الآخر، لملازمة مُجَاشع لضَيْفه، وكان مجاشع ‏[‏ص 416‏]‏ أمياً ونَصْر وشُمَيلة كاتبين، فَعِيلَ صبرُ نصر، فكتب على الأرض بحضرة مجاشع‏:‏ إني قد أحببتك حباً لو كان فَوْقَك لأظَلَّكِ، ولو كان تحتك لأقَلَّكِ، فوقَّعَتْ تحته غير محتشمة‏:‏ وأنا، فقال لها مجاشع‏:‏ ما الذي كَتَبه‏؟‏ فقالت‏:‏ كتب كم تَحْلب ناقتكم‏؟‏ فقال‏:‏ وما الذي كتبت تحته‏؟‏ فقالت‏:‏ كتبت وأنا، فقال مجاشع‏:‏ كم تَحْلب ناقتكم، وأنا، ما هذا لهذا بطبق، فقالت‏:‏ أصدقك إنه كتب كم تغلُّ أرضكم‏؟‏ فقال مجاشع‏:‏ كم تغل أرضكم، وأنا، ما بين كلامه وجوابك قرابة، ثم كَفَأ على الكتابة جَفْنة ودعا بغلام من الكُتَّاب، فقرأ عليه، فالتفت إلى نَصْر فقال له‏:‏ يا ابن عم ما سَيَّرَكَ عمر من خيرٍ فقم، فإنَّ وراءك أوسَعَ، فنهض مستحيياً، وعَدَلَ إلى منزل بعض السَّلَمين، ووقع لجنبه، فضَنِىَ من حب شُمَيْلة، ودَنِفَ حتى صار رَحْمَة، وانتشر خبره، فضرب نساء البصرة به المثل، فقلن ‏"‏أَدْنَفُ من المتمنَّى‏"‏ ثم إن مجاشعاً وقف على خبر علة نصر بن حجاج، فدخل عليه فلحقته رقَّة، لما رأى به من الدنف، فرجع إلى بيته وقال لشُمَيْلة‏:‏ عَزَمْتُ عليكِ لما أخذت خُبْزَة فَلَبَكْتِهَا بسمن ثم بادرتِ بها إلى نصر، فبادت بها إليه، فلم يكن به نهوض، فضمته إلى صَدْرها، وجععلت تلقمه بيدها، فعادت قُوَاه وبرأ كأنْ لم يكن به قَلَبة ‏(‏القلبة - بالتحريك - الداء، والعيب أيضا‏)‏

فقال بعض عُوَّاده‏:‏ قاتل اللّه الأعشى فكأنه شَهِدَ منهما النجوى حيث قال‏:‏

لو أَسْنَدَتْ مَيْتاً إلى صَدْرِهَا * عَاشَ وَلَمْ يُنْقَلْ إلى قَابِرِ

فلما فارقته عاود النُّكْس، فلم يزل يتردد في علته حتى مات فيها‏.‏

2188- أَصْلَفُ مِنْ مِلْحٍ فِي مَاءَ‏.‏

الصِّلَف‏:‏ قلة الخير‏.‏

يضرب لمن لا خير فيه، وذلك أن الملح إذا وقَعَ في الماء ذاب فلا يبقى منه شيء، ومنه ‏"‏صَلِفَتِ المرأة‏"‏ إذا لم يَبْقَ لها عند زوجها قَدْر ومَنْزِلة‏.‏

2189- أَصْلَفُ مَنْ جَوْزَتَيْن فِي غَرَارةٍ‏.‏

لأنهما يُصَوِّتان باصطكاكهما، ولا معنى وراءهما‏.‏

2190- أَصْلَبُ مِنَ الأنْضُرِ‏.‏

يعنون جمع النِّضر، وهو الذهب‏.‏وَ‏"‏مِنَ الْجَنْدَلِ‏"‏وَ‏"‏مِنَ الحَجَرِ‏"‏، وَ‏"‏مِنَ الحَدِيدِ‏"‏، وَ‏"‏مِنَ النُّضَارِ‏"‏، وَ‏"‏مِنْ عُودِ النَّبْعِ‏"‏‏.‏ ‏[‏ص 417‏]‏

2191- أَصْفَى مِنَ الدَّمْعَةِ، و‏"‏مِن المَاءِ‏"‏ و‏"‏مِنْ عَيْن الْغُرَابِ‏"‏ و‏"‏مِنْ عَيْنِ الدِّيْكِ‏"‏ و‏"‏مِنْ لُعَابِ الْجُنْدَبِ‏"‏‏.‏

2192- أَصْعَبُ مِنْ رَدِّ الْجَمُوحٍ، و‏"‏مِنْ نَقْلِ صَخْرٍ‏"‏ و ‏"‏مِنْ قَضْمِ قَتّ‏"‏‏.‏

2193- أَصْفَرُ مِنْ لَيْلَةِ الصَّدَرِ، و ‏"‏مِنْ بُلْبُلٍ‏"‏‏.‏

هذا من الصفير، والأول من الصِّفَر والخَلَاء‏.‏

2194- أَصْيَدُ مِنْ لَيْثِ عِفِرِّينَ، و‏"‏مِنْ ضَيْوَنٍ‏"‏‏.‏

2195- أَصْبَرُ مِنْ حِمَارِ، و‏"‏مِنْ ضَبٍّ‏"‏، و ‏"‏مِنَ الْوَدِّ عَلَى الذُّل‏"‏، و‏"‏مِنَ الأثَافِي عَلَى النَّارِ‏"‏، و ‏"‏مِنَ الأَرْضِ‏"‏، و ‏"‏مِنْ حَجَرٍ ‏"‏، و‏"‏ مِنْ جِذْلِ الطِّعَانِ‏"‏‏.‏

2196- أَصْنَعُ مِنْ دُودِ الْقَزِّ‏.‏

2197- أَصَحُّ مِنْ ظَبْيٍ، و‏"‏مِنْ ظَلِيمٍ‏"‏، و‏"‏مِنْ ذِئْبٍ‏"‏، و ‏"‏مِنْ عَيْرِ الْفَلاَةِ‏"‏‏.‏

1982- أَصغَرُ مِنْ قُرَادٍ، و‏"‏مِنْ صُؤَابَةٍ‏"‏، و‏"‏مِنْ حَبَّةٍ‏"‏ و‏"‏مِنْ صَعْوَةٍ‏"‏ و‏"‏مِنْ صَعَة‏"‏‏.‏

*3* المولدون

صُوَرةُ المَوَدَّةِ الصِّدْقُ‏.‏

َصاِحُب الحَاجَةِ أعْمَى‏.‏

صَارَتِ الْبِئْرُ المُعَطَّلَةُ قَصْراً مَشِيداً

يضرب للوضيع يرتفع

صَاحِبُ ثَرِيدٍ وَعَافِيَةٍ‏.‏

يضرب لمن عرف بسلامة الصدر‏.‏

صَارَ إِلَى مَا مِنْهُ خُلِقَ‏.‏

يضرب للميت

صَارَ الأَمْرُ حَقِيقَةً، كَعِيَانِ الطَّرِيقَةِ‏.‏

صَلاَبَةُ الْوَجْهِ خَيْرٌ مِنْ غَلَّةِ بُسْتَانٍ‏.‏

صَفْقَةٌ بِنَقْدٍ خَيْرٌ مِنْ بَدْرَةٍ بِنَسِيئَةٍ‏.‏

صَبَعَةُ الشَّيْطَانُ‏.‏ ‏[‏ص 418‏]‏

يضرب للتأوه في ولايته

صَدِيقُ الْوَالِدِ عَمُّ الْوَلدِ‏.‏

صَامَ حَوْلاً، ثُمَّ شَرِبَ بَوْلاً‏.‏

صَبْرُ سَاعَةٍ أَطْوَلُ لِلرَّاحَةِ‏.‏

صِيغَ وفَاقَ الْهَوى وَكَفَى المُرَادَ‏.‏

صَبْرُكَ عَنْ مَحَارِمِ اللّه، أيْسَرُ مِنْ صَبْرِكَ عَلَى عَذَابِ اللّه‏.‏

الصَّعْوُ فِي النَّزْعِ وَالصِّبْيَانُ فِي الطَّرَبِ‏.‏

الصَّبْرُ مِفْتَاحُ الْفَرَجِ‏.‏

الإِصلاَحُ أَحَدُ الْكَاسِبَين‏.‏

الصِّنَاعَةُ فِي الْكَفِّ أَمَانٌ مِنَ الْفَقْرِ‏.‏

الصَّرْفُ لاَ يَحْتَمِلُهُ الظَّرْفُ‏.‏

أصَابَ الْيَهُودِيُّ لَحْماً رَخِيصاً فَقَالَ هذَا مُنْتِنٌ‏.‏

الصَّبُوحُ جَمُوحٌ‏.‏